فتح الكبير في الاستعاذة و التكبير للشيخ الحصري
فتح الكبير في الاستعاذة و التكبير للشيخ الحصري
يقول العبد الفقير يحيى الغوثاني :
مما وجدت في أرشيفي هذا الصباح هذا الكتيب
المختصر اللطيف فأحببت أن أقدمه لأهل ملتقى التفسير هدية ندية سائلا المولى
أن يرحم مؤلفه الشيخ محمود خليل الحصري وأن يجعله في الفردوس الأعلى الحمد
لله الذي اصطفى من عباده حملة كتابه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى
آله وأصحابه
أما بعد:
فهذا مختصر جمعت فيه ما ينبغي للقارئ أن يعلمه من مباحث الاستعاذة والتكبير ورتبته على مقصدين جامعين للغرض من هذين الفنين:-
المقصد الأول:
في الكلام على الاستعاذة وفيها خمسة مباحث:
المبحث الأول: في حكمها استحباباً أو وجوباً.
المبحث الثاني: في محلها وما ورد فيه من الخلاف.
المبحث الثالث: في صيغتها وما ورد فيها من الآثار.
المبحث الرابع: في حكم الجهر بها والإخفاء.
المبحث الخامس: في حكم الوقف عليها ووصلها بما بعدها وما ورد في ذلك.
والمقصد الثاني:
في الكلام على التكبير وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: في سببه ومحله واختلاف الأئمة فيهما وما ورد فيه من الأوجه.
المبحث الثاني: في رواته.
المبحث الثالث: في صيغته.
وأسأل الله تعالى من فضله الكريم، أن ينفع
به النفع العميم كل من تلقا سليم، وأن يجعله سبباً للفوز بجنات النعيم، إنه
جواد كريم رءوف رحيم.
وهذا أوان الشروع فيه فأقول متوكلاً على من
بفضله وجوده ينال المأمول: الاستعاذة مصدر استعاذ: أي: طلب العوذ والعياذ،
ويقال لهما: التعوذ، هو مصدر تعوذ بمعنى فعل العوذ، ومعنى العوذ والعياذ
في اللغة اللجأ والامتناع والاعتصام. فإذا قال القارئ: أعوذ بالله، فكأنه
قال: ألجأ واعتصم وأتحصن بالله، ثم صار كل من التعوذ والاستعاذة حقيقة
عرفية عند القراء في قول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو غيره من
الألفاظ الواردة،
فإذا قيل لك: تعوذ أو استعذ فالمراد قل:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والاستعاذة ليست من القرآن بالإجماع، ولفظها
لفظ الخبر ومعناه الإنشاء؛ أي اللهم أعذني من الشيطان الرجيم. والكلام
عليها في مباحث.
* المبحث الأول:
في حكمها استحباباً أو وجوباً: هي مسألة لا
تعلق للقراءات بها، ولكن لما ذكرها شراح الشاطبية أحببت ذكرها هنا لما
يترتب عليها من الفوائد، وقد تكلف أئمة التفسير والفقهاء بالكلام فيها،
وأشير إلى ملخص ما ذكروه في أربع مسائل
الأولى: ذهب
الجمهور إلى أن الاستعاذة مستحبة في القراءة بكل حال في الصلاة وخارجها،
وحملوا الأمر بها في قوله تعالى: ( فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من
الشيطان الرجيم) على الندب، وذهب داود بن على وأصحابه إلى وجوبها حملاً
للأمر على الوجوب كما هو الأصل، حتى أبطلوا صلاة من لم يستعذ، وقد جنح
الإمام فخر الدين الرازي رضي الله عنه إلى القول بالوجوب، وحكاه عن عطاء
ابن أبى رباح، واحتج له بظاهر الآية من حيث الأمر، والأمر ظاهره الوجوب،
وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ولأنها تدرأ شر الشيطان، وما لا
يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب.
وقال ابن سيرين: إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب وقال
بعضهم: كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته. حكى هذين
القولين العماد ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره.
الثانية:
الاستعاذة في الصلاة للقراءة لا للصلاة، وهذا مذهب الجمهور كالشافي وأبى
حنفية ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل. وقال أبو يوسف: هي للصلاة، فعلى هذا
يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ ويتعوذ في العيدين بعد الإحرام وقبل تكبيرات
العيد، ثم إذا قلنا بأن الاستعاذة للقراءة فهل قراءة الصلاة قراءة واحدة
فتكفى الاستعاذة في أول ركعة أو قراءة كل ركعة مستقلة بنفسها فلا يكفى.
قولان للشافعي، وهما روايتان عن أحمد، والأرجح الأول لحديث أبى هريرة في
الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نهض من الركعة الثانية استفتح
القراءة ولم يسكت، ولأنه لم يتخلل القراءتين اجنبى بل تخللها ذكر فهي
كالقراءة الواحدة حمد لله أو تسبيح أو تهليل أو نحو ذلك. ورجح الإمام
النووي وغيره الثاني، وأما الإمام مالك فإنه قال: لا يستعاذ إلا في قيام
رمضان فقط. وهو قول لا يعرف لما قبله، وكأنه أخذ بظاهر الحديث الصحيح عن
عائشة رضي الله عنها: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة
بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين) ورأى أن هذا دليل على ترك
التعوذ. فأمات قيام رمضان فكأنه رأى أن الأغلب عليه جانب القراءة. والله
أعلم.
الثالثة: إذا قرأ جماعة جملة هل يلزم كل واحد الاستعاذة أو تكفى استعاذة بعضهم.
قال المحقق ابن الجزرى: لم أجد فيها نصا،
ويحتمل أن تكون كفاية وأن تكون عينا على كل من القولين بالوجوب والاستحباب.
والظاهر الاستعاذة لكل واحد؛ لأن المقصود اعتصام القارئ والتجاؤه بالله
تعالى عن شر الشيطان كما تقدم فلا يكون تعوذ واحد كافيا عن آخر. كما هو
المختار في التسمية على الأكل فليس من سنن الكفايات. أ هـ.
الرابعة: إذا قطع
القارئ القراءة لعارض من سؤال أو كلام يتعلق بالقراءة فلا تسن الاستعاذة،
وذلك بخلاف ما إذا كان الكلام أجنبيا ولو ردا للسلام فإنه يستأنف
الاستعاذة، وكذا لو كان القطع إعراضا عن القراءة ثم بدا له فعاد إليها فإنه
يستعيذ. والله اعلم. * * *
المبحث الثاني
:
في محلها: هو قبل القراءة بالإجماع ولا يصح قول بخلافه عن أحد ممن يعتبر
قوله، وإنما آفة العلم التقليد، فقد نسب إلى حمزة وأبى حاتم. ونقل عن أبى
هريرة رضي الله عنه وابن سيرين وإبراهيم النخعى وحكى عن مالك. وذكر أنه
مذهب داود بن على الظاهري وجماعته عملاً بظاهر الآية، وهو قوله تعالى: (
فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله ) قول على أن الاستعاذة بعد القراءة.
وحكى قول آخر وهو الاستعاذة قبل وبعد. ذكره
الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره، ولا يصح شئ من هذا عمن نقل عنه ولا ما
استدل به لهم. أما حمزة وأبو حاتم فالذي ذكر ذلك عنهما هو أبو القاسم
الهذلى إذ قال في كامله: قال حمزة في رواية ابن قلوقا : إنما يتعوذ بعد
الفراغ من القرآن ، قال : وبه قال أبو حاتم . أ هـ.
قال المحقق: أما رواية ابن قلوقا عن حمزة
فهي منقطعة في الكامل، لا يصح إسنادها وكل من ذكر هذه الرواية عن حمزة من
الأئمة كالحافظين أبى عمرو الداني وأبى العلاء الهمذانى وابن سوار وسبط
الخياط وغيرهم لم يذكروا ذلك عنه ولا عرجوا عليه. وأما أبو حاتم فإن الذين
ذكروا روايته واختياره كابن سوار وابن مهران وأبى معشر الطبري والإمام أبى
محمد النبوي وغيرهم لم يذكروا عنه شيئا ولا حكوه.
وأما أبو هريرة فالذي نقل عنه رواه الشافعي
في مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عثمان عن صالح بن أبى صالح
أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعاً صوته: ( ربنا إنا نعوذ بك من
الشيطان الرجيم ) في المكتوبة إذا فرغ من أم القرآن.
وهذا إسناد لا يحتج به؛ لأن إبراهيم بن
محمد هو الأسلمى، وقد أجمع أهل النقل والحديث على ضعفه ولم يوثقه سوى
الشافعي. قال أبو داود: كان قدريا رافضيا كل بلاء فيه. وصالح بن أبى صالح
الكوفي ضعيف واه، وعلى تقدير صحته لا يدل على أن الاستعاذة بعد القراءة بل
يدل على أنه كان يستعيذ إذا فرغ من أم القرآن أى للسورة الأخرى وذلك واضح.
فأما أبو هريرة فهو ممن عرف بالجهر بالاستعاذة لا بالإتيان بها بعد
القراءة.
وأما ابن سيرين والنخعى فلا يصح عن واحد
منهما عن أهل النقل. وأما مالك فقد حكاه عنه القاضي ابن العربي في المجموعة
وكفى في الرد والشناعة على قائله. وأما داود وأصحابه فهذه كتبهم موجودة لا
تعد كثرة لم يذكر فيها أحد شيئا من ذلك، ونص ابن حزم إمام أهل الظاهر على
التعوذ قبل القراءة ولم يذكر غير ذلك. وأما الاستدلال بظاهر الآية فغير
صحيح، بل هي جارية على أصل لسان العرب وعرفه وتقديرها عند الجمهور إذا أردت
القراءة فاستعذ، وهو كقوله تعالى: ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم )
وكقوله: ( من أتى الجمعة فليغتسل). أ هـ.
وقهـ.لمحقق:
وعندي أن الأحسن في تقديرها إذا ابتدأت
وشرعت كما في حديث جبريل: فصلى الصبح حين طلع الفجر، أي أخذ في الصلاة عند
طلوعه ولا يمكن القول بغير ذلك، وهذا بخلاف قوله في حديث: ثم صلاها بعد أن
أسفر، فإن الصحيح أن المراد بهذا الابتداء خلافا لمن قال إن المراد
الانتهاء.أ هـ. ثم إن المعنى الذي شرعت الاستعاذة له يقتضى أن تكون قبل
القراءة؛ لأنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له
وتهيؤ لتلاوة كتاب الله تعالى فهي التجاء إلي الله تعالى واعتصام بجنابة من
خلل يطرأ عليه أو خطأ يحصل منه في القراءة وغيرها وإقرار لله بالقدرة،
واعتراف العبد بالضعف والعجز عن هذا العدو الباطن الذي لا يقدر على دفعه
ومنعه إلا الله الذي خلقه، فهو لا يقبل مصانعة ولا يدارى بإحسان ولا يقبل
رشوة، بخلاف العدو الظاهر من جنس الإنسان، كما دلت عليه الآي الثلاث في
القرآن التي أرشد فيها إلي رد العدو الإنساني والشيطاني، فقال تعالى في
الأعراف: ( خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين ) فهذا ما يتعلق بالعدو
الإنساني، ثم قال: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) الآية، وقال
في المؤمنون: ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة)، ثم قال: ( وقل رب أعوذ بك )
الآية.
وقال في فصلت: ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة ) الآيات.
وفى ذلك قال ابن الجزرى:
شيطاننا المغوى عـدو فاعتصم .:. بالله منـه والتجئ وتعــوذ
وعـدوك الإنسـى دار وداده .:. تملكه وادفع بالتى فإذا الذي
المبحث الثالث: في صيغتها:
وفيه مسألتان:
الأولى: أن
المختار لجميع القراء من حيث الرواية: ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )
كما ورد في سورة النحل فقد حكى ابن سوار وأبو العز القلانسى وغيرهما
الاتفاق على هذا اللفظ بعينه. وقال الإمام السخاوى في كتابه ( جمال
القراء): إن الذي عليه إجماع الأمة هو ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
وقال الحافظ أبو عمرو الداني: إنه هو المستعمل عند الحذاق دون غيره. أ هـ.
وهو المأخوذ به عند عامة الفقهاء كالشافعي
وأبى حنيفة وأحمد وغيرهم. وقد ورد النص بذلك عن النبي، ففي الصحيحين من
حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: استب رجلان عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه، فقال
النبي: ( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجده، لو قال: أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم). الحديث بلفظ البخاري في باب الحذر من الغضب في كتاب
الأدب.
ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبى بن
كعب، وكذا رواه الإمام أحمد والنسائي في عمل اليوم والليلة، وهذا لفظه
نصا، وأبو داود، ورواه أيضا الترمذي في حديث معاذ بن جبل بمعناه، وروى هذا
اللفظ من التعوذ أيضا من حديث جبير بن مطعم، ومن حديث عطاء بن السائب عن
السلمي عن ابن مسعود، وقد روى أبو الفضل الخزاعى في المنتهى عن المطوعى عن
الفضل بن الحباب عن روح بن عبد المؤمن قال: قرأت على يعقوب الحضرمي فقلت:
أعوذ بالسميع العليم. فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني
قرأت على سلام بن المنذر، فقلت: أعوذ بالسميع العليم، فقال لي: قل: أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على زر بن حبيش فقلت: أعوذ بالسميع
العليم، فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على عاصم بن
بهدلة فقلت: أعوذ بالسميع العليم، فقال: قل: أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم، فإني قرأت على عبد الله بن مسعود فقلت: أعوذ بالسميع العليم، فقال
لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على النبي صلى الله عليه
وسلم فقلت: أعوذ بالسميع العليم، فقلا لي: يا ابن أم عبد، قل: أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم، هكذا أخذته عن جبريل عن ميكائيل عن اللوح المحفوظ. قال
الحافظ ابن الجزرى: حديث غريب جيد الإسناد من هذا الوجه. ورويناه مسلسلاً
من طريق روح أيضا، فقرأت على الشيخ الإمام العالم العارف الزاهد جمال الدين
أبى محمد، محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد الجمال النسائي مشافهة
فقلت: أعوذ بالله السميع العليم فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،
فإني قرأت على الشيخ الإمام شيخ السنة سعد الدين محمد بن مسدد بن محمد
الكازرونى، فقلت: أعوذ بالله السميع العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم، فإني قرأت على أبى الربيع على بن عبد الصمد بن أبى الحبيش:
أعوذ بالله السميع العليم، فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،
فإني قرأت على والدي: أعوذ بالله السميع العليم، فقال لي: قل: أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على محيى الدين أبى محمد يوسف بن عبد الرحمن
بن على بن محمد بن الجوزى: أعوذ بالله السميع العليم، فقال لي: قل أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على والدي أعوذ بالله من السميع
العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الجيم فإني قرأت على أبي الحسن
على بن يحيى البغدادي أعوذ بالله السميع العليم، فقال لي: قل: أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم فإني قرأت على ابن بكر محمد بن عبد الباقي الانصارى أعوذ
بالله السميع العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني
قرأت على هناء بن إبراهيم النسفى أعوذ بالله السميع العليم، فقال لي: قل
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على محمود بن المثنى بن المغيرة:
أعوذ بالله السميع العليم، فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،
فإني قرأت على أبي عصمة محمد بن أحمد السخرى: أعوذ بالله السميع العليم،
فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على أبى محمد عبد
الله بن عجلان بن عبد الله الزنجانى: أعوذ بالله السميع العليم، فقال لي:
قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على أبي عثمان سعيد بن عبد
الرحمن الأهوازى: أعوذ بالله السميع العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم، فإني قرأت على محمد بن عبد الله بن بسطام: أعوذ بالله
السميع العليم، فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإني قرأت على
روح بن عبد المؤمن: أعوذ بالله السميع العليم، فقال لي: قل: أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم، فإني قرأت على يعقوب بن إسحاق الحضرمي أعوذ بالله السميع
العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على سلام بن
المنذر أعوذ بالله السميع العليم، فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم، فإني قرأت على عاصم بن أبي النجود: أعوذ بالله السميع العليم، فقال
لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإني قرأت على زر بن حبيش: أعوذ
بالله السميع العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت
على عبد الله بن مسعود: أعوذ بالله السميع العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على رسول الله: أعوذ بالله السميع العليم،
فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على جبريل: أعوذ
بالله السميع العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قال لي
جبريل: هكذا أخذته عن ميكائيل وأخذها ميكائيل عن اللوح المحفوظ. قال
الحافظ: وقد أخبرني بهذا الحديث أعلى من هذا شيخاى الإمامان الولي الصالح
أبو العباس أحمد بن رجب المقري وقرأت عليه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
والمقرئ المحدث الكبير يوسف ابن محمد السرمرى البغداديان فيما شافهانى به.
وقرأ على أبى الربيع ابن أبى الحبيش المذكور، وأخبرني به عاليا جدا جماعة
من الثقات منهم أبو حفص عمر بن الحسن بن مزيد بن أميلة المراغى، وقرأت
عليه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: عن شيخه الإمام أبى الحسن على بن أحمد
بن عبد الواحد بن البخاري قال: اخبرنا الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن على
بن محمد بن الجوزى في كتابه فذكره بإسناده. وروى الخزاعى أيضا في كتابه
المنتهى بإسناد غريب عن عبد الله ابن مسلم بن يسار فإني قرأت على أبي بن
كعب فقلت: أعوذ بالله السميع العليم: فقال لي: يا بنى، عمن أخذت هذا، قل:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كما أمرك الله.
الثانية: دعوى
الإجماع على هذا اللفظ بعينه مشكلة، والظاهر أن المراد على أنه المختار،
فقد ورد تغيير هذا اللفظ والزيادة عليه والنقص منه كما سنذكره ونبين صوابه.
أما أعوذ: فقد نقل عن حمزة فيه استعيذ ونستعيذ واستعذت ولا يصح، وقد
اختاره بعضهم كصاحب الهدايةه من الحنفية، قال لمطابقة لفظ القرآن، يعنى
قوله ( فاستعذ بالله ). وليس كذلك، وقول الجوهري: عذت بفلان واستعذت به أي
لجأت إليه، مردود عند أئمة اللسان، بل لا يجزى ذلك على الصحيح كما لا يجز
أعوذ ولا تعوذت، وذلك لنكتى ذكرها الإمام الحافظ العلامة أبو أمامة محمد بن
على بن عبد الواحد بن النقاش رحمه الله تعالى في كتابه ( اللاحق السابق
والناطق الصادق في التفسير) فقال: بيان الحكمة التي لأجلها لم تدخل السين
والتاء في فعل المستعيذ بالماضي والمضارع، فقد قيل له: استعذ، بل لا يقال:
أعوذ دون استعيذ وأتعوذ واستعذت وتعوذت، وذلك أن السين والتاء شأنهما
الدلالة على الطلب فوردتا في الأمر إيذانا بطلب التعوذ فمعنى استعذ بالله
اطلب منه أن يعيذك فامتثال الأمر هو أن يقول: أعوذ بالله، لأن قائله متعوذ
ومستعيذ قد عاذ والتجأ، والقائل: أستعيذ بالله ليس بعائذ إنما هو طالب
العياذ به كما تقول: استخير الله أي أطلب خيرته، واستقيله أي أطلب إقالته،
واستغفره أي اطلب مغفرته، فدخلت في فعل الأمر إيذانا بطلب هذا المعنى من
المعاذ به، فإذا قال المأمور: أعوذ بالله، فقد امتثل ما طلب منه، فإنه طلب
منه نفس الاعتصام والالتجاء، وفرق بين الاعتصام وبين طلب ذلك، فلما كان
المستعيذ هاربا ملتجئا معتصماً بالله أتى بالفعل الدال على طلب ذلك فتأمله،
قال: والحكمة التي لأجلها امتثل المستغفر الأمر بقوله: استغفر الله، أنه
طلب منه أن يطلب المغفرة التي لا تتأتى إلا منه بخلاف العياذ واللجأ
والاعتصام وامتثل الأمر بقوله: استغفر الله أى اطلب منه أن يغفر لي. ولله
دره ما ألطفه وأحسنه. فإن قيل: فما تقول في الحديث الذي رواه أبو جعفر بن
جرير الطبري في تفسيره، حدثنا أبو كريب، ثنا عثمان بن سعيد، ثنا بشر بن
عمار، ثنا أبو روق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال: أول ما نزل جبريل
على محمد، قال: يا محمد: استعذ، قال: استعيذ بالسميع العليم من الشيطان
الرجيم، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، اقرأ باسم ربك.
قال المحقق: ما أعظمه مساعداً لمن قال به
لو صح فقد قال شيخنا الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير رحمه الله بعد
إيراده. وهذا الإسناد غريب، قال: وإنما ذكرناه ليعرف فأن في إسناده ضعفاً
وانقطاعاً. قال المحقق : ومع ضعفه وانقطاعه وكونه لا تقوم به حجة ، فإن
الحافظ أبا عمرو الداني رحمه الله تعالى رواه على الصواب في حديث أبي روق
أيضا عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال : أول ما نزل جبريل عليه السلام على
النبي صلى الله عليه وسلم علمه الاستعاذة . قال يا محمد، قل: أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم، ثم قال: قل: بسم الله الرحمن الرحيم.
والقصد أن الذي تواتر عن النبي صلى الله
عليه وسلم في التعوذ للقراءة ولسائر تعوذاته من روايات لا تحصى كثرة هو
لفظ: أعوذ، وهو الذي أمره الله تعالى به وعلمه إياه، فقال: ( وقل رب أعوذ
بك من همزت الشياطين)، ( قل أعوذ برب الفلق )، ( قل أعوذ برب الناس ) وقال
عن موسى: ( أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) ( إني عذت بربي وربكم )، وعن
مريم عليها السلام: ( إني أعوذ بالرحمن منك ).
وفى صحيح أبى عوانة عن زيد بن ثابت رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بوجهه، فقال: ( تعوذوا
بالله من عذاب النار) قلنا: نعوذ بالله من عذاب النار، قال: ( تعوذوا بالله
من الفتن ما ظهر منها وما بطن ) قلنا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها
وما بطن فقال: ( تعوذوا بالله من فتنة الدجال. قلنا: نعوذ بالله من فتنة
الدجال، فلم يقولوا في شئ في جوابه صلى الله عليه وسلم نتعوذ بالله ولا
تعوذنا على طبق اللفظ الذي أمروا به، كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل:
استعيذ بالله ولا استعذت على طبق اللفظ الذي أمره الله به.
ولم يكن صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعدلون
عن اللفظ المطابق الأول المختار إلي غيره، بل كانوا هم أولى بالاتباع
وأقرب إلي الصواب وأعرف بمراد الله تعالى، كيف وقد علمنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم كيف يستعاذ بالله، فقال ( إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من
أربع، يقول: اللهم أنى أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة
المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال) رواه مسلم وغيره ولا أصرح من
ذلك. وأما بالله: فقد جاء عن ابن سيرين: أعوذ بالسميع العليم، وقيده بعضهم
بصلاة التطوع، ورواه أبو على الأهوازى عن ابن واصل وغيره عن حمزة وفى صحة
ذلك عنهما نظر. وأما الرجيم: فقد ذكر الهذلى في كاملة عن شبل عن حميد –
يعنى ابن قيس -: ( أعوذ بالله القادر من الشيطان الغادر ) وحكى أيضا عن أبي
زيد عن ابن السماك: أعوذ بالله القوى من الشيطان الغوي. وكلاهما لا يصح،
وأما تغييرهما بتقديم وتأخير ونحوه فقد روى ابن ماجه بإسناد صحيح من حديث
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي: ( الله إني أعوذ بك من الشيطان
الرجيم) وكذا رواه أبو داود في حديث عبد الرحمن بن أبى ليلى عن معاذ بن
جبل، وهذا لفظه والترمذي بمعناه وقال: مرسل. يعنى أن عبد الرحمن بن أبي
ليلى لم يلق معاذا لأنه مات قبل سنة عشرين.
ورواه ابن ماجه أيضا بهذا اللفظ عن جبير بن
مطعم، واختاره بعض القراء، وفى حديث أبي هريرة عن النبي: ( إذا خرج أحدكم
من المسجد فليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم ). رواه ابن ماجه ولهذا
لفظه، والنسائي من غير ذكر الرجيم. وفى كتاب ابن السني: ( اللهم أعذنى من
الشيطان الرجيم ) وفيه أيضا عن أبي أمامة: ( اللهم أعوذ بك من إبليس وجنوده
) الحديث.
وروى الشافعي في مسنده عن أبى هريرة أنه
تعوذ في المكتوبة رافعاً صوته: ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم. وأما
الزيادة: فقد وردت بألفاظ منها ما يتعلق بتنزيه الله تعالى.
الأول: أعوذ
بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، نص عليه الحافظ أبو عمرو الداني في
جامعه، وقال: إن على استعماله عامة أهل الأداء من أهل الحرمين والعراقيين
والشام، ورواه أبو على الأهوازى أداء عن الأزرق بن الصباح وعن الرفاعى عن
سليم وكلاهما عن حمزة ونصا عن أبى حاتم. ورواه الخزاعى عن أبى عدى عن ورش
أداء. قال المحقق: وقرأت أنا به في اختيار أبي حاتم السجستانى ورواية حفص
من طريق أبي هبيرة، وقد رواه أصحاب السنن الأربعة وأحمد عن أبي سعيد الخدرى
بإسناد جيد. وقال الترمذي: هو أشهر حديث في هذا الباب، وفى مسند أحمد
بإسناد صحيح عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال
حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قرأت
ثلاث آيات من آخر سورة الحشر، وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى
يمسى، وإن مات في ذك اليوم مات شهيداً، ومن قالها حين يمسى كان بتلك
المنزلة) رواه الترمذي وقال: حسن غريب.
الثاني: ( أعوذ
بالله العظيم من الشيطان الرجيم ) ذكره الداني أيضا في جامعه عن أهل مصر
وسائر بلاد المغرب، وقال: إنه استعمله منهم أكثر أهل الأداء. وحكاه أبو
معشر في سوق العروس عن أهل مصر أيضا وعن قنبل والزينبي. ورواه الأهوازى عن
المصريين عن ورش، وقال على ذلك وجدت أهل الشام في الاستعاذة إلا أنى لم
اقرأ بها عليهم من طريق الأداء عن أبن عامر وإنما هو شئ يختارونه. ورواه
أداء عن أحمد بن جبير في اختياره وعن الزهري وأبي بحرية وابن منادر وحكاه
الخزاعى عن الزينبي عن قنبل ورواه أبو العز أداء عن أبي عدى عن ورش. ورواه
الهذلى عن ابن كثير في غير رواية الزينبي.
الثالث
:
( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم) رواه الاهوازى
عن أبي عمرو، وذكره أبو معشر عن أهل مصر والمغرب، ورويناه من طريق الهزلي
عن أبى جعفر وشيبة ونافع في غير رواية أبي عدى عن ورش، وحكاه الخزاعى وأبو
الكرم الشهرزورى عن رجالهما عن أهل المدينى وابن عامر والكسائى وحمزة في
احد وجوهه. وروى عن عمر بن الخطاب ومسلم بن يسار، وابن سيرين والثوري،
وقرأت أنا به في قراءة الأعمش، إلا أنى في رواية الشنبوذى عنه أدغمت الهاء
في الهاء.
الرابع: ( أعوذ
بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم) رواه الخزاعى عن هيبرة عن
حفص قال: وكذا في حفظي عن ابن الشارب عن الزينبي عن قنبل، وذكره الهذلى عن
أبى عدى عن ورش.
الخامس: ( أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ) رواه الهذلى عن الزينبي عن ابن كثير
السادس: ( أعوذ
بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ) كره
الأهوازى عن جماعة وهو المأخوذ به في قراءة الحسن البصري.
السابع
:
( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم واستفتح الله وهو خير الفاتحين ) رواه أبو
الحسن الخبازى عن شيخه أبى بكر الخوارزمي عن ابن مقسم عن إدريس عن خلف عن
حمزة.
الثامن: ( أعوذ
بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ) ورواه أبو
داود في الدخول إلي المسجد عن عمرو بن العاص عن النبي، وقال: إذا قال ذلك،
قال الشيطان:حفظ منى سائر اليوم. إسناده جيد وهو حديث حسن.
ووردت بألفاظ تتعلق بشتم الشيطان نحو: (
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم الخبيث المخبث والرجس النجس ) كما ورد في
كتاب الدعاء لأبى القاسم الطبراني، وعمل اليوم والليلة لآبى بكر بن السني
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل
الخلاء قال: ( اللهم إني أعوذ بك من الرجس والمنجس الخبيث المخبث الشيطان
الرجيم ) لكن إسناده ضعيف. ووردت أيضا بألفاظ تتعلق بما يستعاذ منه، ففي
حديث جبير بن مطعم ( من الشيطان الرجيم من همزة ونفثه ونفخه) رواه ابن ماجه
وهذا لفظه، وأبو داود والحاكم وابن حبان في صحيحيهما، وكذا في حديث أبي
سعيد. وفى حديث ابن مسعود: ( من الشيطان الرجيم وهمزة ونفخه ونفثه ) وفسروه
فقالوا: همزه الجنون ونفثه الشعر ونفخه الكبر.
وأما النقص فلم يتعرض للتنبيه عليه أكثر
الأئمة، وكلام الشاطبى رحمه الله يقتضى عدمه، والصحيح جوازه، لما ورد، فقد
نص الحلواني في جامعه على جواز ذلك، فقال: وليس للاستعاذة حد تنتهي إليه،
من شاء زاد ومن شاء نقص أى بحسب الرواية كما سيأتي. وفى سنن أبي داود من
حديث جبير بن مطعم أعوذ بالله من الشيطان من غير ذكر الرجيم. وكذا رواه
غيره وتقدم في حديث أبي هريرة في رواية النسائي: ( اللهم اعصمني من الشيطان
) من غير ذكر الرجيم. فهذا الذي وصل إلينا في الاستعاذة من الشيطان في
حالة القراءة وغيرها، ولا ينبغي أن يعدل عما صح منه حسبما تبين، ولا يعدل
عما ورد عن السلف الصالح فإنما نحت متبعون لا مبتدعون. قال الجعبرى في شرح
قول الشاطبى: ( وإن تزد لربك تنزيها فلست مجهلاً ) هذه الزيادة وإن أطلقها
وخصها فهي مقيدة بالرواية وعامة في غير التنزيه.
* * المبحث الرابع:
في حكم الجهر بها والإخفاء: وفيه مسائل:
الأولى: أن المختار عند أئمة القراءة هو الجهر بها لا خلاف في ذلك عن أحد
منهم إلا ما جاء عن حمزة وغيره مما نذكره. وفى كل حال من أحوال القراءة كما
سنبين. قال الحافظ أبو عمرو في جامعه: ولا أعلم خلافا في الجهر بالاستعاذة
عن افتتاح القرآن وعند ابتداء كل قارئ بعرض أو درس أو تلقين في جميع
القرآن إلا ما جاء عن نافع وحمزة، ثم روى عن ابن المسيبى أنه سئل عن
استعاذة المدينة أيجهرون بها أم يخفونها ؟ قال: ما كنا نجهر ولا نخفى ما
كنا نستعيذ البتة. وروى عن أبيه عن نافع أنه كان يخفى الاستعاذة ويجهر
بالبسملة عند افتتاح السور ورءوس الآي في جميع القرآن، وروى أيضا عن
الحلواني، قال: قال خلف: كنا نقرأ على سليم فنخفى التعوذ ونجهر بالبسملة في
الحمد خاصة، ونخفى التعوذ والبسملة في سائر القرآن نجهر برءوس أثمنتها،
وكانوا يقرءون على حمزة فيفعلون ذلك، قال الحلواني: وقرأت على خلاد ففعلت
ذلك. وقال المحقق: صح إخفاء التعوذ في رواية المسيبى عن نافع، وانفرد به
الولي عن إسماعيل عن نافع، وكذلك الاهوازى عن يونس عن ورش. وقد ورد في طرق
كتابنا عن حمزة على وجهين. أحدهما: إخفاؤه حيث قرأ القارئ مطلقا أى في أول
الفاتحة وغيرها وهو الذي لم يذكر أبو العباس المهدوى عن حمزة من رواية خلف
وخلاد عنه سواه، وكذلك روى الخزاعى عن الحلواني عن خلف وخلاد، وكذلك ذكر
الهذلى في كاملة وهى رواية إبراهيم بن زربى عن سليم عن حمزة. الثاني: الجهر
بالتعوذ في أول الفاتحة فقط وإخفاءه في سائر القرآن، وهو الذي نص عليه في
المبهج عن خلف عن سليم وفى اختياره، وهى رواية محمد بن لاحق التميمى عن
سليم عن حمزة، ورواه الحافظ الكبير أبو الحسن الدار قطني في كتابه عن أبي
الحسن المنادى عن الحسن بن العباس عن الحلواني عن خلف عن سليم عن حمزة أنه
كان يجهر بالاستعاذة والتسمية في أول سورة فاتحة الكتاب ثم يخفيها بعد ذلك
في جميع القرآن، قال الحلواني: وقرأت على خلاد فلم يغير على.
وقال لي: كان سليم يجهر فيهما جميعا. ولا
ينكر على من جهر ولا على من أخفى. وقال أبو القاسم الصفراوي في الإعلان:
واختلف عنه يعنى عن حمزة أنه كان يخفيها عند فاتحة الكتاب كسائر المواضع أو
يستثنى فاتحة الكتاب فيجهر بالتعوذ عندها فروى عنه الوجهان جميعا. اهـ.
وقد انفرد أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري عن الحلواني عن قالون بإخفائها
في جميع القرآن.
الثانية: أطلقوا اختيار الجهر في الاستعاذة
مطلقا ولابد من تقييده، وقد قيده الإمام أبو شامة رحمه الله بحضرة من يسمع
قراءته ولابد من ذلك، قال: لأن الجهر بالتعوذ إظهار لشعار القراءة كالجهر
بالتلبية وتكبيرات العيد، ومن فوائده أن السامع ينصت للقراءة من أولها ولا
يفوته منها شئ، وإذا أخفى التعوذ لم يعلم السامع بالقراءة إلا بعد أن فاته
من المقروء شئ، وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة خارج الصلاة وفى الصلاة
فإن المختار في الصلاة الإخفاء لأن المأموم منصت من أول الإحرام بالصلاة.
وقال الشيخ محيى الدين النووي رحمه الله: إذا تعوذت في الصلاة التي يسر
فيها بالقراءة أسر التعوذ، فإن تعوذ في التي يجهر فيها بالقراءة فهل يجهر ؟
فيه خلاف، من أصحابنا من قال يسر. وقال الجمهور: للشافعي في المسألة
قولان: أحدهما: يستوي الجهر والإسرار وهو نصه في الأم. والثاني: يسن الجهر
وهو نصه في الإملاء. ومنهم من قال قولان: أحدهما يجهر، صححه الشيخ أبو حامد
الاسفرايينى إمام إمام أصحابنا العراقيين وصاحبه المحاملى وغيره، وهو الذي
كان يفعله أبو هريرة، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسر وهو الأصح عند
جمهور أصحابنا، وهو المختار. قال ابن الجزرى: حكى صاحب البيان القولين على
وجه آخر. فقال: أحد القولين أنه يتخير بين الجهر والسر ولا ترجيح. والثاني:
يستحب فيه الجهر. ثم نقل عن أبي على الطبري أنه يستحب فيه الإسرار وهو
مذهب أبي حنيفة وأحمد ومذهب مالك في قيام رمضان، ومن المواضع التي يستحب
فيها الإخفاء ما إذا قرأ خاليا سواء قرأ سرا أو جهرا ومنها إذا قرأ سرا
فإنه يسر أيضا، ومنها إذا قرأ في الدور ولم يكن في قراءته مبتدئا يسر
التعوذ لتتصل القراءة ولا يتخللها أجنبي، فإن المعنى الذي من أجله استحب
الجهر وهو الإنصات فقد في هذه المواضع. الثالثة: اختلف المتأخرون في المراد
بالإخفاء فقال كثير منهم: هو الكتمان. وعليه حمل كلام الشاطبى أكثر شراحه،
فعلى هذا يكفى فيه الذكر في النفس من غير تلفظ. وقال الجمهور: المراد به
الإسرار. وعليه حمل الجعبرى كلام الشاطبى فلا يكفى فيه إلا التلفظ وإسماع
نفسه وهذا هو الصواب؛ لأن نصوص المتقدمين كلها على جعله ضدا للجهر، وكونه
ضدا للجهر يقتضى الإسرار به، والله اعلم. فأما قول ابن المسيبى: ما كنا
نجهر ولا نخفى ما كنا نستعيذ البتة. فمراده الترك رأسا كما هو مذهب مالك
رحمه الله تعالى كما مر.
المبحث الخامس
:
في الوقف عليها: وقل من تعرض لذلك من مؤلفي الكتب، يجوز الوقف على
الاستعاذة والابتداء بما بعدها، بسملة كانت أو غيرها، ويجوز وصلها بما
بعدها، والوجهان صحيحان وظاهر كلام الداني رحمه الله أن الأولى وصلها
بالبسملة لأنه قال في كتابه الاكتفاء: الوقف على آخر التعوذ تام. وعلى آخر
البسملة أتم. وممن نص على هذين الوجهين الإمام أبو جعفر ابن الباذش ورجح
الوقف لمن مذهبه الترتيل، فقال في كتابه الإقناع: ولكن أن تصلها – أي
الاستعاذة – بالبسملة في نفس واحد وهو أتم، ولك أن تسكت عليها ولا تصلها
بالبسملة وذلك أشبه بمذاهب أهل الترتيل فأما من لم يسم يعنى مع الاستعاذة
فالاشبه عندي أن يسكت عليها ولا يصلها بشئ من القرآن. ويجوز وصلها. اهـ.
قال المحقق ابن الجزرى: وهذا أحسن ما يقال في هذه المسألة ومراده بالسكت
الوقف لإطلاقه عليه ولقوله في نفس واحد. وكذلك نظم الأستاذ أبو حيان في
قصيدته حيث قال: وقف بعد أو صلا وعلى الوصل لو التقى مع الميم مثلها نحو:
الرجيم ( ما ننسخ) أدغم لمن مذهبه الإدغام، كما يجب حذف همزة الوصل في نحو:
( اعلموا أنما الحيوة الدنيا). ونحو: ( الرجيم ) ( القارعة) وقد ورد في
طريق أحمد بن إبراهيم القصبانى عن محمد بن غالب عن شجاع عن أبي عمرو أنه
كان يخفى الميم من الرجيم عند باء باسم الله ولم يذكر ابن شيطا وأكثر
العراقيين سوى وصل الاستعاذة بالبسملة.اهـ. قال أبو الفتح ابن شيطا: ولو أن
قارئا ابتدأ قراءته من أول التوبة فاستعاذ ووصل الاستعاذة بالتسمية
متبركاً بها ثم تلا السورة لم يكن عليه حرج إن شاء الله كما يجوز له إذا
ابتدأ من بعض سورة أن يفعل ذلك. تجوز الأوجه الأربعة في البسملة مع
الاستعاذة من الوصل بالاستعاذة والآية ومن قطعها عن الاستعاذة والآية، ومن
قطعها عن الاستعاذة ووصلها بالآية، ومن عكسه كما تقدم. وهذه الأوجه ونحوها
على سبيل التخيير، والمقصود منها معرفة جواز القراءة بكل منها على وجه
الإباحة لا على وجه ذكر الخلف، فبأي وجه قرئ منها جاز، ولا احتياج إلي
الجمع بينها في كل موضع، بل ولا في موضع واحد، إلا إذا قصد استيعاب الأوجه
حالة الجمع أو الإفراد. والله اعلم.
التكبير
التكبير مصدر كبر تكبيرا إذا قل: الله
اكبر، ومعناه الله أعظم من كل عظيم. فإن قلت: إن قوله: الله أكبر، إن قصد
به التفضيل لم يستقم لأنه لا مشاركة له في كبير ليصح التفضيل كما لا يخفى،
وإن كان بمعنى كبير لزم صحة الإحرام في الصلاة به ولم يقل به الأئمة كمالك
والشافعي. أجيب: بأن المقصود به التفضيل ولا يلزم منه المشاركة فقد يقصد
بأفعل التفضيل التباعد عن الغير في الفعل، لا بمعنى تفضيله بعد المشاركة في
أصل الفعل، بل بمعنى أنه متباعد في أصل الفعل متزايد في كمال، قصد إلي
تمايزه في أصله حتى يفيد عدم وجود أصل الفعل في الغير فيحصل كمال التفضيل
كقوله تعالى ( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) إلى غير ذلك من
النظائر.
والكلام على التكبير في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول
:
في سببه ومحله: أما سببه فقد روى عن البزى أن الأصل في ذلك أن النبي صلى
الله عليه وسلم انقطع عنه الوحي، فقال المشركون: قلا محمداً ربه، فنزلت
سورة ( والضحى ) فقال النبي: ( الله اكبر ) تصديقا لما كان ينتظره من
الوحي، وتكذيبا للكفار، وأمر صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أن يكبر إذا بلغ (
والضحى ) مع خاتمة كل سورة حتى يختم، تعظيما لله تعالى واستصحابا للشكر
وتعظيما لختم القرآن, وقيل: كبر صلى الله عليه وسلم لما رأى من صورة جبريل
عليه السلام التي خلقه الله عليها عند نزوله بهذه السورة، فقد ذكر الإمام
أبو بكر محمد بن إسحاق أن هذه السورة التي جاء بها جبريل عليه السلام إلي
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ظهر له في صورته التي خلقه الله عليها
ودنا إليه وتدلى منهبطا وهو بالأبطح. وهذا قوى جدا إذ التكبير إنما يكون
غالبا لأمر عظيم أو مهول. رواه الحافظ أبو العلاء بإسناده إلي أحمد بن فرح
عن البزى، وكذا وراه غيره، لكن قال الحافظ عماد الدين ابن كثير أنه لم يرو
بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف، ومراده كما في النشر كون هذا سبب التكبير
وإلا فانقطاع الوحي مدة أو إبطاؤه مشهور. وروى أيضا عن أحمد بن فرح قال:
حدثني ابن أبي بزة بإسناده:أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى إليه قطف عنب
جاء قبل أوانه فأكل منه، فجاء سائل: فقال: أطعمونى مما رزقكم الله، قال:
نسلم إليه العنقود، فلقيه بعض أصحابه فاشتراه منه وأهداه للنبي، فعاد
السائل إلي النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأعطاه إياه، فلقيه رجل آخر من
الصحابة فاشتراه منه وأهداه للنبي، فعاد السائل فانتهره فانقطع الوحي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أربعين صباحا، فقال المنافقون: قلا محمداً ربه،
فجاء جبريل عليه السلام فقال: اقرأ يا محمد، قال: وما أقرأ، قال: أقرأ: (
والضحى )، فلقنه السورة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبيا لما بلغ (
والضحى) أن يكبر مع خاتمة كل سورة حتى يختم. وهو حديث معضل غريب جدا بهذا
السياق، وهو مما انفرد به ابن أبي بزة، وقد كان تكبيره صلى الله عليه وسلم
آخر قراءة جبريل عليه السلام وأول قراءته، ومن ثم تشعب الخلاف في محله،
فمنهم من قال به من أول ( ألم نشرح ) ميلا إلي أنه لأول السورة، ومنهم من
قال: ومن آخر الضحى ميلا إلي أنه لآخر السورة. وفى التيسير وفاقا لآبى
الحسن ابن غلبون كوالده أبي الطيب في إرشاده وصاحب العنوان والهادي
والهداية والكافي: أنه من آخر الضحى، وفى المستنير أنه من أول ( ألم نشرح
)، وكذا في إرشاد أبى العز، وهو الذي في غالية أبي العلاء، وفى التجريد من
قراءة مؤلفه على عبد الباقي، ومنهم من قال به من أول الضحى كأبي على
البغدادي في روضته، وبه قرأ صاحب التجريد على الفارسي والمالكي.
وأما قول الشاطبى: وقال به البزى من آخر
الضحى وبعض له من آخر الليل وصلا. فتعقبه في النشر بأنه لم يرو واحد
التكبير من آخر الليل كما ذكروه من آخر ( والضحى ) ومن ذكره كذلك فإنما
أراد كونه في أول ( والضحى ). وقال: ولا أعلم أحد صرح بهذا اللفظ إلا
الهذلى في كاملة تبعا للخزاعى في النتهى وإلا الشاطبى، ولما رأى بعض الشراح
قوله هذا مشكلاً قال: مراده بالآخر في الموضعين أول السورة – أي أول ( ألم
نشرح ) وأول ( الضحى ) وهذا فيه نظر، لأن يكون بذلك مهملاً، ورواية من
رواه من آخر الضحى هو الذي في التيسير. والظاهر أنه سوى بين الأول والآخر
في ذلك، وارتكب في ذلك المجاز وأخذ باللازم في الجواز، وإلا فالقول بأنه من
آخر الليل حقيقة لم يقل به أحد من الشراح، فعلم أن المقصود بذكر آخر الليل
هو أول الضحى وهو الصواب بلا شك. وروى أحمد البزى عن عكرمة بن سليمان مولى
شيبة أنه قال: قرأت على إسماعيل القسط فلما بلغت ( والضحى ) قال لي: كبر
مع خاتمة كل سورة حتى تختم، فإني قرأت على عبد الله بن كثير فأمرني بذلك
وأخبره أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس
فأمره بذلك وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي ابن كعب فأمره بذلك واخبره أبي
أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بذلك. رواه الحاكم وقال:
صحيح الإسناد، ورواه ابن خزيمة، لكنه قال: إني خائف من أن يكون قد اسقط ابن
أبى بزة أو عكرمة من هذا الإسناد شبلاً. قال المحقق ابن الجزرى – يعنى بين
إسماعيل وابن كثير – ولم يسقط واحد منهما شبلا فقد صحت قراءة إسماعيل على
ابن كثير نفسه، وعلى شبل معروف عن ابن كثير. وقال البزى: قال أبو عبد الله
محمد بن إدريس الشافعي: إن تركت التكبير فقد تركت سنة من سنن نبيك، وهذا
كما قال الحافظ العماد ابن كثير يقتضى تصحيحه لهذا الحديث. وأما انتهاء
التكبير: فجمهور المغاربة وغيرهم على أنه ينتهي إلى آخر سورة الناس، وجمهور
المشارقة على أنه ينتهي لأول سورة والناس فلا يكبر آخرها، وهما مبنيان على
خلاف مبدأ التكبير هل هو لأول السورة أو لأخرها، فمن قال: إنه لأولها لم
يكبر لآخر الناس سواء كان ابتداء التكبير عنده من أول ( ألم نشرح ) أو من
أول ( الضحى ) ومن قال الابتداء عن آخر الضحى كبر في آخر الناس.
وأما قول الشاطبى رحمه الله: ( إذا كبروا
في آخر الناس ) مع قوله: ( وبعض له من آخر الليل وصلاً ) على ما تقرر من أن
المراد بآخر الليل أول الضحى. فقال في النشر: يقتضى أن يكون ابتداء
التكبير من أول الضحى، وانتهاؤه آخر الناس وهو مشكل لما تأصل بل هو ظاهر
المخالفة لما رواه فإن هذا الوجه وهو التكبير من أول الضحى هو من زياداته
على التيسير.
وهو من الروضة لأبى على كما نص عليه أبو
شامة، والذي نص عليه في الروضة أن البزى روى التكبير من أول سورة الضحى إلي
مع في خاتمة الناس وتابعه الزينبي عن قنبل في لفظه وخالفه في الابتداء
فذكره من أول سورة ( ألم نشرح ) قال: ولم يختلفوا أنه منقطع مع خاتمة
والناس. اهـ بحروفه. فهذا الذي أخذ الشاطبى التكبير من روايته قطع بمنعه في
آخر الناس. فتعين حمل كلام الشاطبى على تخصيص التكبير آخر الناس بمن قال
به من آخر الضحى كما هو مذهب صاحب التيسير وغيره، ويكون معنى قوله: إذا
كبروا في آخر الناس، أي إذا كبر من يقول بالتكبير في أخر الناس، يعنى الذين
قالوا به من آخر الضحى. اهـ. ويأتي على ما تقدم من كون التكبير لأول
السورة أو آخرها حال وصل السورة بالسورة الأخرى ثمانية أوجه: اثنان منها
على تقدير أن يكون التكبير لآخر السورة.
واثنان على تقدير أن يكون لأولها. وثلاثة
محتملة على التقديرين، والثامن ممتنع وقفا، وهو وصل التكبير بآخر السورة
وبالبسملة مع القطع عليها؛ لأن البسملة لأول السورة فلا يجوز أن تجعل
منفصلة عنها متصلة بآخر السورة كما هو مقرر في علم الخلاف. فأما الوجهان
المبنيان على تقدير كون التكبير لآخر السورة فأولهما وصل التكبير بآخر
السورة والقطع عليه ووصل البسملة بأول السورة.
نص عليه في التيسير كاختيار طاهر بن غلبون
وهو أحد اختياريه في جامع البيان وهو ظاهر كلام الشاطبى، وثانيهما وصل
التكبير بآخر السورة والقطع عليه وعلى البسملة نص عليه الجعبرى فأولهما قطع
التكبير عن آخر السورة ووصله بالبسملة ووصلها بأول السورة، نص عليه ابن
سوار في المستنير ولم يذكر غيره، واختاره أبو العز والهمدانى وحكاه الداني
وابن الفحام، ولم يذكر في الكفاية غيره، وثانيهما قطعه عن آخر السورة ووصله
بالبسملة مع القطع عليها والابتداء بالسورة وهو ظاهر كلام الشاطبية، ونص
عليه الفاسى ومنعه الجعبرى في شرحه، وقال ابن الجزرى: ولا وجه لمنعه إلا
على تقدير أن يكون التكبير لآخر السورة، وإلا فعلى أن يكون لأولها فلا يظهر
لمنعه وجه إذ غاية أن يكون كالاستعاذة ولا شك في جواز وصلها بالبسملة وقطع
البسملة عن القراءة كما هو مقرر في محله.
وأما الثلاثة المحتملة كلا التقديرين،
فأولهما وصل التكبير بآخر السورة والبسملة وبأول السورة، اختاره في الشاطبية ونص عليه أصلها وذكره في المبهج والتجريد.
وثانيهما
:
قطعه عن آخر السورة وعن البسملة مع وصل البسملة بأول السورة، ويخرج من
الشاطبية كما نص عليه الجعبرى كالفاسى وهو اختيار طاهر ابن غلبون وأبى
معشر.
وثالثها
:
القطع عن آخر السورة وعن البسملة، وقطع البسملة عن أول السورة، وهو ظاهر
من كلام الشاطبى ونص عليه الجعبرى كالفاسى، ومنعه مكي. قال في النشر: ولا
وجه لمنعه على كلا التقديرين. والمراد بالقطع والسكت هنا في هذه الأوجه
المذكورة الوقف المعروف، لا القطع الذي هو الإعراض، ولا السكت الذي هو دون
تنفس، وهذا هو الصواب، ويزعم الجعبرى أن المقصود بالقطع في قولهم هو السكت
المعروف كما زعم ذلك في البسملة، فقال في شرح قول الشاطبى: فإن شئت فاقطع
دونه، أي فاسكت. ولو قالها لأحسن؛ إذ القطع عام فيه وفى الوقف. اهـ.
قال المحقق: وهو شئ انفرد به لم يوافقه أحد
عليه، ولعله توهم ذلك من قول بعض أهل الأداء كمكي والداني حيث عبرا بالسكت
عن الوقف فحسب أنه السكت المصطلح عليه، ولم ينظر آخر كلامهم ولا ما صرحوا
به عقيب ذلك، وأيضا فإن المتقدمين إذا أطلقوه لا يريدون به إلا الوقف، وإذا
أرادوا به السكت المعرفو قيدوه بما يصرفه إليه. وإن وقع آخر السورة ساكن
أو منون كسر لالتقاء الساكنين على أصله نحو: ( فارغب) الله اكبر و ( لخبير )
الله أكبر، وإن كان محركاً تركته على حاله وحذفت همزة الوصل لملاقاته نحو (
الحكمين ) الله اكبر، و ( الأبتر) الله أكبر، و ( عن النعيم ) الله أكبر،
وإن وقع في آخرها هاء ضمير حذفت صلتها نحو: (ربه) الله اكبر، و( يره) الله
اكبر، لما في وصلها من اجتماع ساكنين فحذف تخفيفاً. وإذا وصلته بالتهليل
الآتي ذكره إن شاء الله تعالى أبقيته على حاله، وإن كان منوناً أدغم في
اللام نحو (حامية) لا إله إلا الله. ويجوز المد على (لا) للتعظيم على ما
تقرر في محله.
المبحث الثاني:
فيمن ورد عنه: اعلم أن التكبير قد صح عن أهل مكة قرائهم وعلمائهم وأئمتهم
وشاع ذلك عنهم واشتهر، بل قال الحافظ ابن الجزرى: أنه بلغ حد التواتر، وقد
صح عن ابن كثير من روايتي البزى وقنبل. وقال الأهوازى: التكبير عند أهل مكة
في آخر القرآن سنة مأثورة يستعملونه في قراءتهم في الدرس والصلاة. اهـ.
قال أبو الطيب ابن غلبون: وهذه سنة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن
الصحابة والتابعين وهى سنة بمكة لا يتركونها البتة. وورد أيضا عن أبى عمرو
من رواية السوسى، وكذا عن أبى جعفر من رواية العمرى، ووافقهم ابن محيصن.
قال الأهوازى في المفردة: إن ابن محيصن كان يكبر من خاتمة ( والضحى ) إلى
آخر القرآن موصولاً بأول السورة. واختلف عن قنبل فجمهور المغاربة لم يرووه
عنه كما في التيسير والعنوان والهادي والكافي. ورواه عنه في المستنير
والوجيز وفاقاً لجمهور العراقيين وبعض المغاربة. والوجهان في الشاطبية
كالتيسير، وبه قطع للسوسى الحافظ أبو العلاء في غايته في جميع طرقه، وقطع
له به في التجريد من طريق ابن حبش من أول ألم نشرح إلى آخر الناس. وروى
سائر الرواة عنه ترك التكبير كالجماعة. قال في النشر: وقد أخذ بعضهم
التكبير لجميع القراء، وبه كان يأخذ أبو الحسين الخبازى، وحكاه أبو الفضل
الرازي والهذلى وأبو العلاء، وهو الذي عليه العمل عند أهل الأمصار في سائر
الأقطار عند الختم في المحافل واجتماعهم في المجالس، وبذلك أخذ علينا
مشايخنا وكثير منهم يقوم به في صلاة رمضان ولا يتركه عند الختم على أي حال
كان. وروى السخاوى عن أبى محمد الحسن بن محمد بن عبيد الله ابن أبى يزيد
القرشي أنه صلى بالناس التراويح خلف المقام بالمسجد الحرام فلما كانت ليلة
الختم كبر من خاتمو الضحى إلى آخر القرآن في الصلاة فلما سلم إذا بالإمام
أبى عبد الله محمد بن إدريس الشافعي قد صلى وراءه وقال: أحسنت أصبت السنة.
وقد كانوا يكبرون إثر كل سورة ثم يكبرون للركوع وذلك إذا استعملوا التكبير
آخر السورة. ومنهم من كان إذا قرأ الفاتحة وأراد الشروع في السورة كبر
وبسمل ثم ابتدأ السورة، وكان بعضهم يأخذ به إذا ابتدأ السورة في جميع
القرآن، ولعله اختيار منهم، وليس التكبير بلازم لأحد في القراء، فمن فعله
فحسن ومن لم يفعله فلا حرج عليه.
المبحث الثالث
:
في صيغته: أعلم أنه لم يختلف فيه أنه: ( الله أكبر ) قبل البسملة، إلا أنه
اختلف عن البزى والجمهور عنه على تعيين هذا اللفظ من غير زيادة ولا نقص.
وبه قطع في التيسير له من طريق أبى ربيعة وبه قرأ على أبى القاسم الفاسى،
وقد زاد جماعة قبله التهليل تكميلاً له بكلمة التوحيد، وهو طريق ابن الحباب
وغيره عن البزى، وهى رواية حسنة ثبتت روايتها وصح سندها.
قال ابن الحباب: سألت البزى كيف التكبير،
فقال لا إله إلا الله والله أكبر. وزاد بعضهم: على ذلك: ولله والحمد ثم
يبسملون، وهى طريق أبى طاهر بن أبى هاشم عن ابن الحباب. وأما قنبل فقطع له
جمهور المغاربة بالتكبير فقط من غير زيادة وهو الذي في الشاطبية وتلخيص أبى
معشر، وزاد له التهليل أكثر المشارقة وبه قطع له العراقيون من طريق ابن
مجاهد، وقال في المستنير: قرأت به لقنبل على جميع من قرأت عليه، وقطع له به
سبط الخياط في كفايته من الطريقين، وفى المنهج من طريق ابن مجاهد فقط،
وزاد له التحميد أيضا أبو الكرم في مصباحه عن ابن الصباح.
وإذا تقرر هذا فليعلم أن التهليل مع
التكبير مع الحمد عند من رواه حكمه حكم التكبير لا يفصل بعضه من بعض بل
يوصل جملة واحدة، وحينئذ حكمه مع آخر السورة وأول السورة الأخرى حكم
التكبير يتأتى معه الأوجه السبعة السابقة.
قال المحقق ابن الجزرى: ولا اعلمنى قرأت
بالحمدلة سوى الأوجه الخمسة الجائزة مع تقدير كون التكبير لأول السورة،
ويمتنع وجه الحمدلة من أول الضحى لأن صاحبه لم يذكره فيه، ويلزم ترتيب
التهليل مع التكبير على ما سبق، ولا تجوز مخالفة ما وردت به الرواية وثبت
به الأداء، ولا يجوز التكبير في رواية السوسى إلا في وجه البسملة بين
السورتين لأن رواى التكبير لا يجيز بين السورتين سوى البسملة، ويحتمل معه
كل من الأوجه المتقدمة إلا أن القطع على الماضية أحسن على مذهبه لأن
البسملة عنده للتبرك وليست آية بين السورتين كما عند ابن كثير، وكذلك لا
يجوز له التكبير من أول الضحى لأنه خلاف روايته، ولا يجوز له الحمدلة مع
التكبير إلا أن يكون التهليل معه كما وردت به الرواية، ولو قرئ لحمزة
بالتكبير على رأى من قال به فلابد له من البسملة معه لأن القارش ينوى الوقف
على آخر السورة فيصير مبتدئاً للسورة الآتية، وإذا ابتدأ بها وجبت البسملة
على ما هو مقرر في محله.
وإذا قرئ برواية التكبير وأريد القطع على
آخر السورة، فإن قلنا أن التكبير لأخر السورة كبر وقطع القراءة، وإذا أراد
الابتداء بعد ذلك بسمل للسورة من غير تكبير، وإن قلنا: إنه لأول السورة
فإنه يقطع على آخر السورة من غير تكبير فإذا ابتدأ بالسورة التي تليها بعد
ذلك ابتدأ بالتكبير إذ لابد من التكبير إما لأخر السورة وإما لأولها حتى لو
سجد في آخر العلق فإنه يكبر أولاً لآخر السورة ثم يكبر للسجدة على القول
بأن التكبير للأخر، وأما على القول بأنه للأول فإنه يكبر للسجدة فقط ويبتدئ
بالتكبير لسورة القدر.
وليس الاختلاف في الأوجه السبعة المذكورة
اختلاف رواية حتى يلزم الإتيان بها بين كل سورتين وإن لم يفعل يكن خللا في
الرواية، بل هو اختلاف تخيير، لكن الإتيان بوجه مما يختص بكون التكبير لآخر
السورة وبوجه مما يختص بكونه لأولها أو بوجه مما يحتملهم متعين إذ
الاختلاف في ذلك اختلاف رواية فلابد من التلاوة به إذا قصد جميع تلك الطرق،
والله أعلم. اهـ.
ملخصاً من النشر.
قال الجعبرى: وليس في إثبات التكبير مخالفة
للرسم؛ لأن مثبته لم يلحقه بالقرآن كالاستعاذة. اهـ. وهذا آخر ما يسره
الله تعالى والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم. ولاتنسونا من الدعاء أخوكم يحيى الغوثاني الدمشقي
البرامج التالية لتصفح أفضل
This Programs for better View
که غواړۍ چی ستاسو مقالي، شعرونه او پيغامونه په هډاوال ويب کې د پښتو ژبی مينه والوته وړاندی شي نو د بريښنا ليک له لياري ېي مونږ ته راواستوۍ
اوس تاسوعربی: پشتو :اردو:مضمون او لیکنی راستولئی شی
زمونږ د بريښناليک پته په ﻻندی ډول ده:ـ
hadawal.org@gmail.com
No comments:
Post a Comment
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
ښه انسان د ښو اعمالو په وجه پېژندلې شې کنه ښې خبرې خو بد خلک هم کوې
لوستونکودفائدې لپاره تاسوهم خپل ملګروسره معلومات نظراو تجربه شریک کړئ
خپل نوم ، ايمل ادرس ، عنوان ، د اوسيدو ځای او خپله پوښتنه وليکئ
طریقه د کمنټ
Name
URL
لیکل لازمی نه دې اختیارې دې فقط خپل نوم وا لیکا URL
اویا
Anonymous
کلیک کړې
سائیٹ پر آنے والے معزز مہمانوں کو خوش آمدید.